لفظ (الظن) في القرآن
الظن) درجة من درجات العلم، فهو فوق الشك، ودون اليقين، وبعبارة أخرى: هو اعتقاد وقوع الشيء اعتقاداً راجحاً. أو: هو العلم المستند إلى دليل راجح، مع احتمال الخطأ احتمالاً ضعيفاً. وقد عرفه الجرجاني بأنه: "الاعتقاد الراجح مع احتمال النقيض". وعرفه الراغب بأنه: "اسم لما يحصل عن أمارة، ومتى قويت أدت إلى العلم، ومتى ضعفت جداً لم يتجاوز حد
التوهم". وعرفه ابن عاشور بأنه: " علم لم يتحقق؛ إما لأن المعلوم به لم يقع بعد، ولم يخرج إلى عالم الحس؛ وإما لأن علم صاحبه مخلوط بشك". ولا تعارض بين هذه التعريفات، بل هي عند التحقيق والتدقيق متفقة على أن (الظن) غير اليقين وغير الشك .
وإذا يممنا وجهنا نحو اللغويين، وجدناهم انقسموا فريقين من حيث دلالة مادة (ظن): الأول: يرى أن إطلاق (الظن) على (اليقين) إطلاق حقيقي، بمعنى أن (الظن) قد يُطلق ويراد به اليقين من حيث الوضع اللغوي. ومن هذا الفريق: الأزهري . والفريق الثاني: يرى أن إطلاق (الظن) على (اليقين) إطلاق مجازي، بمعنى أن (الظن) من حيث الوضع اللغوي لا يفيد معنى (اليقين)، وإنما إفادته لذلك تحصل على سبيل المجاز لقرينة تدل عليه. ومن هذا الفريق: الجوهري ، و ابن سيده ، و الفيروزابادي .
ومعاجم العربية تعرف (الظن) بأنه: العلم بالشيء على غير وجه اليقين. ويقال: رجل ظنون: لا يوثق بخبره. ورجل فيه ظنة: أي: تهمة. وهو ظنتي: أي: موضع تهمتي. ويقال أيضاً: هو مظنة للخير. وظننت به الخير فكان عند ظني. وبئر ظنون: لا يوثق بمائها. وتذكر تلك المعاجم أن (الظن) قد يأتي بمعنى اليقين، ويستدلون لذلك بالقرآن وبالشعر وقد وردت مادة (ظن) في القرآن الكريم في نحو ستين موضعاً، نصفها ورد كـ (اسم)، نحو قوله تعالى: { إن يتبعون إلا الظن } (الأنعام:116)، ونصفها الآخر ورد كـ (فعل)، مثل قوله سبحانه: { الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم } (البقرة:46) .
ثم إن لفظ (الظن) في القرآن الكريم ورد على عدة معان الأول: بمعنى اليقين، ورد على هذا المعنى في مواضع عديدة، منها قوله تعالى: الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم قال أبو حيان : "معناه: يوقنون، قاله الجمهور؛ لأن من وصف بالخشوع لا يشك أنه ملاق ربه، ويؤيده أن في مصحف عبد الله بن مسعود : الذين يعلمون". وقال ابن كثير في معنى الآية: "يعلمون أنهم محشورون إليه يوم القيامة، معروضون عليه، وأنهم إليه راجعون" .
ونحو هذا قوله تعالى: { وإنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض } (الجن:12)، قال القرطبي : "الظن هنا بمعنى العلم واليقين ". وبحسب هذا المعنى يُفهم قوله تعالى: { إني ظننت أني ملاق حسابيه } (الحاقة:20)؛ وقوله سبحانه: { وظن أنه الفراق } (القيامة:28) .
قال الطبري ما معناه: العرب قد تسمي اليقين ظناً، والشك ظنًا، نظير تسميتهم المغيث صارخاً، والمستغيث صارخًا... قال: والشواهد من أشعار العرب وكلامها على أن الظن في معنى اليقين، أكثر من أن تحصر .
الثاني: بمعنى الشك، من ذلك قوله عز وجل: { وإن هم إلا يظنون } (البقرة:78)، قال أبو حيان بعد أن نقل أقوالاً في معنى (الظن) هنا: "وقال آخرون: يشكون" .
والمتأمل في الآيات التي ورد فيها (الظن) على معنى (اليقين)، أو الآيات التي ورد فيها (الظن) على معنى الشك، يجد أن الحمل على أحد المعنيين مستفاد من المعنى الكلي للآيات، وليس بمقتضى الوضع اللغوي؛ فقوله تعالى: { إني ظننت أني ملاق حسابيه }، لا يستقيم أن يفسر (الظن) هنا بمعنى الشك، أو العلم الذي لا يفيد اليقين؛ وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، قوله: { إني ظننت أني ملاق حسابيه }، يقول: أيقنت. ويكون المعنى: أنه ما نجا
إلا بخوفه من يوم الحساب، لأنه تيقن أن الله يحاسبه، فعمل للآخرة .
الثالث: بمعنى التهمة، ومنه قوله تعالى: { الظانين بالله ظن السوء عليهم } (الفتح:6